التصريف1: علم
يتعلَّق بِبِنْيَةِ الكلمة وما لحروفها من زيادة وأصالة، وصحة واعتلال "وشبه2
ذلك"3
ومتعلِّقه من
الكلمات: الأسماء التي لا تشبه الحروف، والأفعال4.
وقال ابن عصفور في
الممتع 1/35: ( اعلم أنَّ التصريف لا يدخل في أربعة أشياء وهي: الأسماء الأعجمية التي
عجمتها شخصية كإسماعيل ونحوه، لأنَّها نقلت من لغة قوم ليس حكمها كحكم هذه اللغة،
والأصوات ك " عاق " ونحوه ؛ لأنَّها حكاية ما يصوت به وليس لها أصل
معلوم، والحروف وما شُبِّهَ بها من الأسماء المتوغلة في البناء من نحو " من
وما "؛ لأنَّها - لافتقارها - بمنزلة جزء من الكلمة التي تدخل عليها... الخ).
المنصف لابن جني،
شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني
المقدمة
علم التصريف
والحاجة إليه:
وهذا القبيل من
العلم -أعني التصريف- يحتاج إليه جميع أهل العربية1 أتم حاجة، وبهم إليه أشد فاقة؛
لأنه ميزان العربية، وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها، ولا يوصل
إلى معرفة الاشتقاق إلا به, وقد يؤخذ جزء من اللغة كبير بالقياس، ولا يوصل إلى ذلك
إلا من طريق التصريف؛ وذلك نحو قولهم: إن المضارع من فَعُل لا يجيء إلا على
يَفْعُل بضم العين، ألا ترى أنك لو سمعت إنسانا يقول: كرُم يكرَم بفتح الراء من
المضارع، لقضيت بأنه تارك لكلام العرب, سمعتهم يقولون: يكرم أو لم تسمعهم؛ لأنك
إذا صح عندك أن العين مضمومة من الماضي قضيت بأنها مضمومة في المضارع أيضا قياسا
على ما جاء. ولم تحتج إلى السماع في هذا ونحوه2, وإن كان السماع أيضا مما يشهد بصحة3
قياسك. ومن ذلك أيضا قولهم: إن المصدر من الماضي إذا كان على مثال أَفْعَلَ يكون
مفعلا -بضم الميم وفتح العين- نحو: أدخلته مُدْخَلا، وأخرجته مُخْرَجا، ألا ترى
أنك لو أردت المصدر من أكرمته على هذا الحد لقلت: مُكْرَما قياسا، ولم تحتج فيه
إلى السماع، وكذلك قولهم: كل اسم كانت في أوله ميم زائدة مما يُنقَل ويُعمَل به
فهو مكسور الأول، نحو مِطْرَقة ومِرْوَحة، إلا ما استُثني4 من ذلك. فهذا لا يعرفه
إلا من يعلم أن الميم زائدة، ولا يعلم ذلك إلا من طريق التصريف، فهذا ونحوه مما
يستدرك من اللغة بالقياس. ما لا يُؤخذ من اللغة إلا بالسماع:
ومنها ما لا يُؤخذ
إلا بالسماع، ولا يُلتفت فيه إلى القياس، وهو الباب الأكثر نحو قولهم: رجل وحجر،
فهذا مما لا يقدم عليه بقياس، بل يرجع فيه إلى السماع. فلهذه المعاني ونحوها ما
كانت الحاجة بأهل علم العربية إلى التصريف ماسّة، وقليلا ما يعرفه أكثر1 أهل
اللغة؛ لاشتغالهم بالسماع عن القياس.
تخليط أهل اللغة
فيما سبيله القياس:
ولهذا ما لا2 تكاد
تجد لكثير من مصنفي اللغة كتابا إلا وفيه سهو وخلل في التصريف، وترى كتابه أسد شيء
فيما يحكيه، فإذا رجع إلى القياس وأخذ يصرف ويشتق اضطرب كلامه وخلّط. وإذا تأملت
ذلك في كتبهم لم يكد يخلو منه كتاب إلى الفرد، ويتكرر هذا التخليط على حسب طول
الكتاب وقصره، وليس هذا غضا من أسلافنا، ولا توهينا لعلمائنا، كيف وبعلومهم نقتدي،
وعلى أمثلتهم نحتذي، وإنما أردت بذلك التنبيه على فضل هذا القبيل من علم العربية،
وأنه من أشرفه وأنفسه، حتى إن أهله المُشْبِلين عليه والمنصرفين إليه، كثيرا ما
يخطئون فيه ويخلطون، فكيف بمن هو عنه بمعزل، وبعلم سواه متشاغل.
ما بين التصريف
والاشتقاق والنحو واللغة:
وينبغي أن يعلم أن بين التصريف
والاشتقاق نسبا3 قريبا، واتصالا شديدا؛ لأن التصريف إنما هو أن تجيء إلى الكلمة
الواحدة فتصرفها على وجوه شتى،
الأصلي والزائد:
وقول أبي عثمان: كم
يكون عددهما في الأصل، وما يزاد فيهما على الأصل؟
قال أبو الفتح1:
اعلم أنه إنما يريد بقوله الأصل: الفاء والعين واللام، والزائد: ما لم يكن فاء ولا
عينا ولا لاما، مثال ذلك قولك: ضرب، فالضاد من ضرب فاء الفعل، والراء عينه، والباء
لامه، فصار مثال ضرب: فعل، فالفاء الأصل الأول، والعين الأصل الثاني، واللام الأصل
الثالث، فإذا ثبت ذلك، فكل ما زاد على الضاد والراء والباء من أول الكلمة أو وسطها
أو آخرها، فهو زائد، ومعنى زائد أنه ليس بفاء ولا عين ولا لام، وليس يعنون بقولهم:
زائد أنه لو حُذف من الكلمة لدلت بعد حذفه على ما كانت تدل عليه وهو فيها، ألا ترى
أن الألف من ضارب زائدة، فلو2 حذفتها فقلت: ضَرِب لم يدل على اسم الفاعل بعد
الحذف، كما كان يدل عليه قبل الحذف، وكذلك قولهم: مضروب، لو حذفت الميم والواو لم
يكن ما بقي من الكلمة
دالا على اسم المفعول، كما يدل عليه
"مضروب" بكماله، بل لم يكن يمكن النطق بهذه الكلمة وما أشبهها بعد حذف
الميم؛ لأن الضاد بعدها ساكنة، والابتداء بالساكن ممتنع كما تعلم. فمما زيد1 في
"ضرب" من أوله قولهم: "استضرب" فالهمزة والسين والتاء زوائد؛
لأنه ليس في ضرب شيء من ذلك، ومثاله: استفعل، وكذلك يضرب الياء زائدة، ومثاله
يَفْعِل، والزيادة في وسطه قولك: "ضَرُوب" الواو زائدة، ومثاله: فَعُول،
والزيادة في آخره, قولك: "ضَرَبان" فالألف والنون زائدتان، ومثاله:
فَعَلان, فالأصول يقابل بها في المثال: الفاء، والعين، واللام. ويُلفَظ بالزائد
بعينه لفظا في المثال، ولا يقابل به فاء ولا عين ولا لام؛ لأنه لو كان أحد الثلاثة2
لكان أصلا لا زائدا، ألا ترى أنك تقول في "ضروب: فعول"، فتأتي في
"فعول" بالواو التي كانت في "ضروب" بعينها؛ لأنها زائدة، فإن
تكرر الثاني من الأصول وهو العين كررت في المثال العين بإزائه، فتقول في
"ضرّب: فعّل" فتثقل العين من "فعّل"؛ لأنها بإزاء الراء من
"ضرّب", فإن تكرر الأصل الثالث وهو اللام، كررت في المثال اللام بإزائه،
فتقول في "ضربب: فعلل" جئت في المثال بلامين، لما كان في ضربب باءان،
فإن تكرر الأصلان كلاهما, كررت في المثال العين واللام كلتيهما، تقول في
"ضَرَبْرَب: فَعَلْعَل" زدت عينا ولاما لما زدت في "ضربرب" راء
وباء، والفاء لم تكرر في كلام العرب إلا في حرف واحد، وهو "مرمريس" وهي3
الداهية والشدة، قال الراجز:
[التصريف] اعلمْ
أنَّ التصريفَ "تَفْعيلٌ " مِنَ الصَّرْفِ ، وهو أنْ تُصرِّفَ الكلمةَ
المُفْرَدَةَ (1) ، فَتَتَوَلَّد منها ألْفَاظ مُخْتَلِفَةٌ ، ومعانٍ مُتَفَاوِتَة
.
الكَلِمُ مُرَكَبٌ
مِنَ الحُروفِ البَسيطةِ بِمُرَاعاةِ الوَلاءِ بين ترتيبِ حُروفِهِ ، وإلاَّ صَارَ
"مُلْكاً" بآلقَلْبِ المُسْتَوِي (2) .
ثُمَّ إِنَّه
مُشْتَرك بين الأسْمَاءِ والأفْعالِ في الصِّحَّةِ والإعْلالِ ، والقَلْبِ ،
والإِبْدالِ ، والوَزْنِ ، والتَّمْثِيلِ . وهُوَ أنْ تقَابِلَ حُرُوفَ الكَلِمَةِ
الثلاثِيَةِ (3) : بِالفَاءِ ، والعَيْنِ ، وَآللامِ ، وتُكَرِّرَ اللاَّمَ فِي
الرُّبَاعِيِّ مُطْلَقاً (4) ، وَكَذَا فِي الاسْمِ الخُمَاسِيِّ ، إِذْ
لاخُمَاسِيَّ فِي الفِعْلِ لِثَقَلِهِ أصْلِيًّا (5) ، وَفِي
__________
= وذكر ابن جني أنّ علم
التصريف ميزان العربية ، وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها ، ولا
يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به . (المنصف 1 / 2) . وذكر في موضع لاحق أن التصريف
إنما هو أنْ تجيء إلى الكلمة الواحدة فتصرفها على وجوه شتى. (نفسه 1/3) .
وذكر ابن الحاجب أن
التصريف علم بأصول تُعْرَف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب . (شرح الشافية
1 / 1) . وذكر ابن عصفور أنه كان ينبغي أن يقَدَّم علم التصريف على غيره من علوم
العربية ، إذ هو معرفة ذوات الكلم في أنفسها من غير تركيب . (الممتع 1 / 30 ،
والتصريف الملوكي 18 - 19) .
(2) حاشية : (فالقلب
المُسْتوي : أن يكون حروفُ الثاني مثلَ حروف الأول ، مثاله في قوله تعالى : *وربك
فكبر*) .
(3) حاشية : وإنما قال :
الثلاثية ، لأنَّ الاسم والفعل لا يكونان أقَلَ من ثلاثة أحرف ، حرف يُبدأ به ،
وحرف يُوقف عليه ، وحرف يُفرق به بين الابتداء والوقف . وأما "أب وأخ وَيدّ
ودَمً " [فقد] كان أصلها : أبَو ، وأخَو ، ويَدَيٌ ودَمَي) . وانظر ما ذكره
ابن جني في باب الاصلي والزائد (المنصف 1 / 11) . وانظر شرح الشافية 1 / 7 - 9 .
(4) حاشية : (أيْ في الاسم
والفعل) . انظر المنصف 1 / 24 ، 25 .
(5) حاشية : (قيد بالأصلي
: فإنَّ المنشعبة في الخماسية تكون على غير الأصلي . وإنما نقصت الأفعال من
الأسماء بدرجةٍ لثقلها ، وخفة الأسماء) . وانظر في هذا تعليل المازني وابن جني
(المنصف 1 / 28) .
تعدد أبواب التصريف
قال العلامة المولى
الملا عبد الله الدنقزي رحمه الله :
اعلم أن أبواب
التصريف خمسة وثلاثون باباً .
وأقول :جل علماء
الصرف يبتدئون مبحث الأفعال بذكر تصاريف الفعل لكونها الأصل الأصيل في علم الصرف
وعلى ذلك درج ابن مالك في لاميته فقال:
وبعدُ فالفعلُ مَن
يُحْكِم تَصَرُّفَهُ ... يَحُزْ من اللغةِ الأبوابَ والسُبلاْ
بمعنى أن من يحكم
تصاريف الفعل يحز أبواباً وسبلاً من لغة العرب إذ علم الصرف علمٌ من علومها.
وقوله - اعلم -
كلمةٌ يؤتى بها لبيان أهمية الكلام بعدها ، وأبواب مفردها باب وهو لغة ما يدخل
ويخرج منه ومن ذلك قوله تعالى " وآتو البيوت من أبوابها ".
واصطلاحاً : اسم
لجملة مختصة من العلم ، تحته فصول وفروع ومسائل ،فهو مجاز في المعاني كباب الإعراب
وباب البناء وباب الإعلال ، وألغز بعضهم فيه فقال :
وما شيئٌ حقيقتُه
مجازُ ... ... تراهُ مُعرباً وله
البناءُ
وأولُه وآخِرُه
سَواءُ
ثم حصر أبواب
التصريف إجمالاً في خمسة وثلاثين باباً وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله جملة
وتفصيلاً .
أبواب الفعل
الثلاثي المجرد
قال : ستة منها
للثلاثي المجرد .
الكتاب : نزهة الطرف شرح بناء الأفعال في علم الصرف
المؤلف : صادق بن محمد البيضاني
Ini kitab bagus
التصريف